ويأتي ذلك قبيل قمة الأمم المتحدة للمناخ COP28 في دبي، وسط مخاوف كبيرة من أنّ هدف 1.5 درجة مئوية للحدّ من ارتفاع درجات الحرارة يبدو بشكل متزايد غير قابل للتحقيق.
وسوف تتسبب هذه الانبعاثات الضخمة التي يصدرها أغنى 1% من الناس في 1.3 مليون حالة وفاة زائدة مرتبطة بالحرارة، أي ما يعادل تقريباً عدد سكان النجف في العراق مبرزة أن معظم هذه الوفيات ستحدث بين عامي 2020 و2030. وفي العالم العربي وحده، ستتسبب انبعاثات أغنى 1% في المنطقة في وفاة أكثر من 115 ألف شخص بسبب الحرارة.
وأظهر التقرير أن أغنى 1% من سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مسؤولون عن 510 ملايين طن من انبعاثات الكربون، أي ما يقارب أربعة أضعاف ما يمثله 50% من السكان (130 مليون طن). ويمثل أغنى 10% في المنطقة ما يقارب ثلثي الانبعاثات (64%)، والنصف الأدنى من الانبعاثات 6%.
وفي تونس ومصر، تضاعفت انبعاثات أغنى 10 في المائة تقريبا من انبعاثات نسبة 50 في المائة الأدنى، بينما تزداد في العراق والأردن والأراضي الفلسطينية المحتلة، انبعاثات هؤلاء الملوثين الأغنياء ثلاثة أضعاف. وفي اليمن وسوريا، كان أغنى 10 في المائة مسؤولين عن نسبة مذهلة تبلغ 5 و 4.5 مرات أكثر من نسبة الـ 50 في المائة الأدنى، على التوالي.
"يقوم أصحاب الثراء الفاحش بنهب كوكبنا وتلويثه إلى حدّ الدمار، متسببين باختناق البشرية بالحرارة الشديدة والفيضانات والجفاف"، حسب قول المدير التنفيذي الحالي لمنظمة أوكسفام الدولية أميتاب بيهار.
وتابع قائلًا "على مدى سنوات عدّة كافحنا لإنهاء عصر الوقود الأحفوري من أجل إنقاذ ملايين الأرواح وكوكبنا. ومن الواضح، أكثر من أي وقت مضى، أن تحقيق هذا الهدف سيكون مستحيلًا حتى ينتهي أيضًا عصر الثراء الفاحش".
ويستند تقرير "المساواة في المناخ : "كوكب للـ99 بالمئة من الناس" إلى بحث أجرته منظمة أوكسفام بالشراكة مع معهد ستوكهولم للبيئة يهدف إلى تقييم انبعاثات الاستهلاك لمختلف فئات الدخل في عام 2019، وهو أحدث عام تتوفر عنه بيانات.
ويُبين التقرير الفجوة الصارخة بين البصمات الكربونية لأصحاب الثراء الفاحش - الذين تؤدي أنماط حياتهم المتعطشة للكربون واستثماراتهم في الصناعات الملوثة مثل الوقود الأحفوري إلى ظاهرة الاحتباس الحراري - والجزء الأكبر من البشرية في جميع أنحاء العالم.
كان أغنى 1 بالمئة من البشر (77 مليون شخص) مسؤولين عن 16 بالمئة من انبعاثات الاستهلاك العالمي في عام 2019 - أي أكثر من جميع انبعاثات السيارات والنقل البري. وينبعث من أغنى 10 بالمئة من البشر نصف الانبعاثات عالمياً.
سيستغرق الأمر حوالي 1500 عام لشخص من أفقر 99 بالمئة من البشر لإنتاج كمية الكربون التي تصدر عن أصحاب المليارات الأكثر ثراءً في سنة واحدة فقط.
في كل عام، تلغي الانبعاثات الصادرة عن أغنى 1 بالمئة وفورات الكربون القادمة ممّا يقارب مليون توربين ريح.
منذ تسعينيات القرن العشرين، استهلك أغنى 1 بالمئة من البشر ضعف كمية الكربون المتبقية لحرقها من دون زيادة درجات الحرارة العالمية فوق الحدّ الآمن البالغ 1.5 درجة مئوية مقارنة بالنصف الأفقر من البشرية.
و يشير التقرير أنه من المتوقع أن تفوق انبعاثات الكربون التي يسببها أغنى 1 بالمئة من البشر 22 ضعف المستوى المتوافق مع هدف 1.5 درجة مئوية لاتفاقية باريس في غضون عام 2030.
ويدور انهيار المناخ واللامساواة ضمن حلقة مفرغة - وقد تحققت منظمة أوكسفام بنفسها كيف يشعر الأشخاص الذين يعيشون في حالة فقر والنساء والفتيات ومجتمعات السكان الأصليين وبلدان الجنوب العالمي بالعبء غير المتكافئ لتأثيرات المناخ، والتي بدورها تزيد من فجوة اللامساواة.
ويخلص التقرير إلى أنّ عدد الأشخاص الذين يموتون بسبب الفيضانات يفوق سبعة أضعافه في البلدان غير المتساوية الانبعاثات. ويؤدي تغير المناخ أصلًا إلى تفاقم اللامساواة بين البلدان وضمنها.
ويمكن للحكومات معالجة الأزمتين التوأمين المتمثلتين في اللامساواة وتغيّر المناخ من خلال استهداف الانبعاثات المفرطة من أصحاب الثراء الفاحش، والاستثمار في الخدمات العامة وتحقيق الأهداف المناخية.
وتقدّر منظمة أوكسفام أنّ فرض ضريبة بنسبة 60 بالمئة على دخل أغنى 1 بالمئة من شأنه أن يخفض الانبعاثات بأكثر من إجمالي الانبعاثات في المملكة المتحدة ويجمع 6.4 تريليون دولار لدفع تكاليف الانتقال بعيدًا عن الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجدّدة.
ويقول أميتاب "لا بدّ من إبراز الصّلة التالية بوضوح: إنّ عدم فرض ضرائب على الثروة يسمح للأغنياء بسرقتنا وتدمير كوكبنا والتسبّب بتراجع الديمقراطية. كما أنّ فرض ضرائب على الثراء الفاحش سيحوّل فرصنا في معالجة اللامساواة وأزمة المناخ. إنّ تريليونات الدولارات هذه هي على المحك للاستثمار في الحكومات الخضراء الديناميكية في القرن الـ21، ولكن أيضًا لإعادة ضخّها في ديمقراطياتنا".
وتدعو منظمة أوكسفام الحكومات إلى:
- الحدّ من اللامساواة : وتشير حسابات منظمة أوكسفام إلى أنه بالإمكان، من خلال إعادة توزيع الدخل على الصعيد العالمي، تزويد كل من يعيش في حالة فقر بحدّ أدنى من الدخل اليومي بمقدار 25 دولارًا مع الاستمرار في خفض الانبعاثات العالمية بنسبة 10 بالمئة (أي ما يعادل تقريبًا إجمالي انبعاثات الاتحاد الأوروبي).
- التخلص من الوقود الأحفوري بسرعة ونزاهة : إنّ الدول الغنية مسؤولة بشكل غير متكافئ عن الاحتباس الحراري العالمي ويتعيّن عليها أن تُنهي إنتاج النفط والغاز بوتيرة أسرع في المقابل. كما يمكن أن تساعد فرض ضرائب جديدة على الشركات وأصحاب المليارات في دفع تكاليف الانتقال إلى الطاقة المتجددة.
- إعطاء الأولوية لرفاهية الإنسان والكوكب على الربح والاستخراج والاستهلاك غير المحدود وكذلك التوقف عن استخدام نمو الناتج المحلي الإجمالي كمقياس لتقدم البشرية.
إرسال تعليق